خطبة الجمعة القادمة : السلام مع النفس والمجتمع والبيئة والكون ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 4 نوفمبر 2022م : السلام مع النفس والمجتمع والبيئة والكون ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 10 ربيع الآخر 1444هـ ، الموافق 4 نوفمبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 نوفمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : االسلام مع النفس والمجتمع والبيئة والكون.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 نوفمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : السلام مع النفس والمجتمع والبيئة والكون ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 نوفمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : السلام مع النفس والمجتمع والبيئة والكون، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة: السلام مع النفس والمجتمع والبيئة والكون ، للدكتور محروس حفظي :
(1) نعمةُ الأمنِ مِن أجلِّ النعمِ.
(2) التسامحُ، ونبذُ العنفِ، ونشرُ قيمِ الوعيِ، وحفظُ العقولِ مِمّا يُفسدُهَا.
(3) الإسلامُ يحثُّ على الحفاظِ على البيئةِ، وينهَى عن الإفسادِ فيهَا.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة السلام مع النفس والمجتمع والبيئة والكون ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبةٌ بعنوان: «السلامُ مع النفسِ والمجتمعِ والبيئةِ والكونِ» بتاريخ ربيع الآخر 1443 هـ = الموافق 4 نوفمبر 2022 م
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
(1) نعمةُ الأمنِ مِن أجلِّ النعمِ.
إنَّ نعمَ اللهِ – عزَّ وجلَّ – على العبادِ كثيرةٌ، وآلاؤهُ عليهِم عظيمةٌ ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾، لكنَّ أعظمَ النعمِ على الإطلاقِ نعمةُ الأمنِ فبهَا يُعبدُ اللهُ في أرضهِ، وبها تُحفظُ الدماءُ، وبها تُصانُ الأعراضُ أنْ تُنتهكَ، والأموالُ أنْ تُسلبَ، والأرضُ أنْ تُغتصبَ، وهكذا كلُّ طاعةٍ أو عبادةٍ مردُّهَا في الأساسِ إلى نعمةِ الأمنِ، ولذا قدمَهَا السياقُ القرآنيُّ على طلبِ الرزقِ والمنافعِ الماديةِ فقالَ عزَّ من قائلٍ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾؛ لأنَّه بالأمنِ يحصلُ الاستقرارُ الذي هو سببُ البناءِ والتعميرِ في الأرضِ، وانظرْ في حالِ أيِّ بُقعةٍ مِن أرجاءِ المعمورةٍ إذا نُزِعَ الأمنُ منهَا، وحلَّ الخوفُ مكانَهَا كيف حالُهَا مِن الخرابِ والبوارِ والكسادِ في شتَّى مجالاتِ الحياةِ، والإنسانُ قد يُفتحُ عليهِ مِن أبوابِ الخيرِ والبرِّ، لكنَّه يفقدُ عنصرَ الأمنِ فلا يهنأُ ولا يستلذُ بهذه النعمةِ، ولذا عَدَّ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَن يملكُ هذه النعمةَ بأنَّه حازَ الخيرَ والشرفَ كلَّهُ، وجمعَ الفضلَ وزيادةً قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرِها» (الترمذي وابن ماجه)، فمتى بلغَ المجتمعُ مستوى عاليًا مِن الاستقرارِ والسكينةِ وعدمِ وجودِ أيِّ نوعٍ مِن أنواعِ المخاوفِ حينهَا يصبحُ هذا المجتمعُ آمنًا قادرًا على أداءِ مسؤولياتهِ التي خُلِقَ مِن أجلِهَا كما قالَ تعالَى في كتابهِ العزيزِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾، وقال أيضًا: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾؛ ولذا كانَ يدعُو نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربَّهُ أنْ يرزقَهُ الأمنَ حينَ يُمسِي وحينَ يُصبحُ، فعن ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» (النسائي وابن ماجة).
إنَّ نعمةَ الأمنِ مِن أجلِّ النعمِ التي يُكرمُ اللهُ – تعالى- بها أهلَ دارِ كرامتِه، وسكانَ جنتهِ، قالَ ربُّنَا:﴿ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ﴾ وقالَ سبحانَهُ: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾، فجمعَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – لأهلِ الجنةِ بينَ النعمِ الماديةِ المتمثلةِ في الأكلِ والشربِ والحورِ العينِ، وبينَ النعمِ المعنويةِ المتمثلةِ في صفاءِ القلبِ مِن الغلِّ والحسدِ ﴿وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾، وراحةَ البالِ والطمأنينةَ والشعورَ بالأمانِ مِن خلالِ اجتماعهِ بزوجهِ وولدهِ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾؛ لأنَّ المؤمنَ إذا فقدَ إحدَى هذه النعمِ لم يحصلْ لهُ تمامُ كمالِ النعمةِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
(2) التسامحُ، ونبذُ العنفِ، ونشرُ قيمِ الوعيِ، وحفظُ العقولِ مِمّا يُفسدُهَا.
أمرَنَا دينُنَا بالتسامحِ، والعفوِ عندَ المقدرةِ، وإقالةِ العثرةِ والزلةِ، وقبولِ العذرِ، وغفرانِ الذنبِ، والرفقِ بعبادِ اللهِ تعالَى، وجعلَ ثمنَ الرفقِ بالآخرينِ الرحمةَ الإلهيةَ التي تنزلُ عليهِ يومَ القيامةِ قالَ تعالَى:﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ﴾، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ لَا يَقِيلُ عَثْرَةً وَلَا يَقْبَلُ مَعْذِرَةً وَلَا يَغْفِرُ ذَنْبًا أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ» (الحاكم)، كما رغبَنَا في الرفقِ والبعدِ عن التشددِ حتى لا يصبحُ المجتمعُ عرضةً للتطرفِ والمغالاةِ فعَنْ ابنِ مسعودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا» (مسلم).
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (مسلم) .
لقد بالغَ الإسلامُ في نبذِ العنفِ حتّى في النظرةِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَظَرَ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ نَظْرَةً يُخِيفُهُ بِهَا أَخَافَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(شعب الإيمان)، بل جعلَ كمالَ الإسلامِ والإيمانِ أنْ يسلمَ الناسُ مِن أذَى المسلمِ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» (أحمد)، وما انتشرَ الفهمُ الخاطئُ تجاهَ نصوصِ القرآنِ والسنةِ إلّا بسببِ تغييبِ العقولِ، وعدمِ الفهمِ السديدِ لمقاصدِ الشريعةِ، وهل كُفِّرَ الناسُ، وأُريقتْ الدماءُ، وقُتِلَ الأبرياءُ، وخُفرتْ الذممُ بقتلِ المستأمنين، وفُجِّرتْ البقاعُ إلّا بهذهِ المفاهيمِ المنكوسةِ؟، وقد جعلَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – أمانَ ذلك بالرجوعِ إلى أهلِ الاختصاصِ كلّ في فنِّهِ ومجالِهِ فقالَ ربُّنَا: ﴿وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ .
إنَّ السلامَ مع المجتمعِ كلِّهِ لا يكونُ إلّا بتطهيرِ القلوبِ مِن الغلِّ والحقدِ والبغضاءِ والكراهيةِ قالَ ربُّنَا ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ» ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» (ابن ماجه)، فما أحوجَنَا إلى نشرِ مبادىءِ السلمِ والسلامِ، وقيمِ البناءِ والعمرانِ لا التدميرِ والخرابِ، وهذا ما تقرّهُ جميعُ الأديانِ السماويةِ، والقيمِ الإنسانيةِ، والمواثيقِ والأعرافِ الدوليةِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
(3) الإسلامُ يحثُّ على الحفاظِ على البيئةِ، وينهَى عن الإفسادِ فيهَا.
لقد حثَّنَا دينُنَا الحنيفُ على المحافظةِ على البيئةِ، وَعدَّ ذلك واجبًا دينيًّا، وأمرَ بالتعاملِ معها على أنَّها ملكيةٌ عامةٌ يتوجبُ على المسلمِ المحافظةُ على مكوناتِهَا، وثرواتِهَا ومواردِهَا قالَ تعالَى:﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها﴾؛ ولذا فالإسلامُ قد سبقَ كافةَ القوانينِ والأنظمةِ التي تدعُو إلى مكافحةِ تلوثِ البيئةِ حيثُ جعلَ نشرَ ثقافةِ الجمالِ في البيئةِ التي نعيشُ فيها فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» (مسلم)، كما جعلَ الإسلامُ المحافظةَ على البيئةِ جزءً مِن إيمانِ الفردِ المسلمِ، وحذرَهُ مِن الإضرارِ بها بأيِ شكلٍ مِن الأشكالِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» (متفق عليه) .
وقد سلكَ الإسلامُ عدةَ وسائلَ للحفاظِ على البيئةِ:
أولُا: سنُّ عقوباتٍ رادعةٍ لمَن تسولُ نفسُهُ العبثَ بمواردِ البيئةِ: إنَّ الوضوءَ – أحدُ شروطِ صحةِ الصلاةِ- لا يصحُّ إلّا بوجودِ ماءٍ نظيفٍ لم يتغيرْ لونُهُ أو طعمُهُ أو رائحتُهُ، كمَا أنَّ مِن شروطِ صحةِ الصلاةِ أيضًا طهارةَ المكانِ أيْ نظافةَ التربةِ أو الأرضِ التي يُصلِّي عليهَا المسلمُ، فإذا تلوثتْ، فإنَّ الصلاةَ لا تصحُّ عليهَا، ولهذا وضعَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقابَ المعنويَّ للذي يحولُ دونَ ذلك حيثُ نهَى عن قضاءِ الحاجةِ في الشوارعِ والطرقاتِ فعن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ قال:«اتَّقوا اللاعِنَينِ»، قالوا: وما اللاعِنَانِ يا رسولَ اللهِ ؟ قال:«الذي يتخلَّى في طريقِ الناسِ أو ظلِّهِم» . (أبو داود) .
لقد شرعَ ربُّنَا – عزَّ وجلَّ – حدَّ الحرابةِ لِمَن يُفسدُ في الأرضِ، أو يضرُّ بالمنافعِ العامةِ فقالَ ربُّنَا: ﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا﴾، ووضعَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضًا قاعدةً عريضةً تشملُ كلَّ المعاملاتِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (ابن ماجه) .
ثانيًا: الترشيدُ العام، وعدمُ الإسرافِ والتبذيرِ في استخدامِ مواردِ البيئةِ: أمرَنَا الإسلامُ بعدمِ الإسرافِ والتبذيرِ في كلِّ شيءٍ، وأنْ تنهجَ المنهجَ الوسطَ، قالَ تعالى:﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، والخطابُ هُنا لم يُوجه للمؤمنين فقط، بل خاطبَ جميعَ البشرِ، بل جعلَ القرآنُ الترشيدَ صفةً مِن صفاتِ عبادِ اللهِ تعالى فقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾، وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَامَخِيلَةٍ»(النسائي)، وقد نهانَا رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإسرافِ في الماءِ الذي هو ملكٌ للعامةِ – وهو بحقٍّ أهمُّ مواردِ البيئةِ الطبيعيةِ – فيكرَهُ الإسرافُ بالماءِ عندَ الوضوءِ والزيادةُ عن ثلاثٍ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ:«مَا هَذَا السَّرَفُ» فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ» (أحمد وابن ماجه)، كما لا بدَّ مِن المحافظةِ على الماءِ مِن التلوثِ، وذلك بالنهيِ عن التبولِ في الماءِ الراكدِ الذي يشربُ منهُ أو يستعملُهُ في أغراضهِ المتعددةِ كنهرِ النيلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» (متفق عليه) .
إنَّ الإنسانَ مستخلفٌ على الأرضِ ومأمورٌ باستثمارِ خيراتِهَا، والمحافظةُ عليها، وهذا يفرضُ عليهِ أنْ يتصرفَ فيها تصرفَ الأمينِ، والمسؤولِ عنها، وأنْ يتعاملَ معها برفقٍ وأسلوبٍ رشيدٍ مِن أجلِ مستقبلهِ ومستقبلِ الأجيالِ القادمةِ.
تابع / خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا: الحثُّ على استصلاحِ الأراضِي الجدباءِ: لقد وجهَنَا دينُنَا إلى إحياءِ الأرضِ وزراعتِهَا واستثمارِهَا حتى لا تظلَّ جرداءَ قاحلةً قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا، فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ» (مسلم)؛ ولأنَّها هي مصدرُ الغذاءِ، وأساسُ الموادِ الخامِ للصناعةِ، لكن هذا يحتاجُ إلى دراسةٍ وفقهٍ وحسنِ استغلالٍ فحينئذٍ تحصلُ الخيراتُ، وتأتِي البركاتُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» (متفق عليه)، ومَنَعَ الدينُ قطعَ الاشجارِ إلَّا لمنفعةٍ ظاهرةٍ، بل أوصَى رسولُنَا ﷺ بغرسِ الشجرِ ولو أَزِفَ يومُ القيامةِ فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا» (الأدب المفرد)، فليس هناك حثُّ على استغلالِ البيئةِ أقوى مِن هذا الحديثِ؛ لأنَّه يدلُّ على الطبيعةِ المنتِجَةِ والخيِّرةِ للإنسانِ فهو بفطرتهِ عاملٌ مِعطاءٌ كالنبعِ الفيَّاضِ لا ينضبُ ولا ينقطعُ حتى إنَّه ليظلُّ يعملُ حتى تلفظَ الحياةُ آخرَ أنفاسِهَا، فلو أنَّ الساعةَ تُوشكُ أنْ تقومَ لظلَّ يغرسُ ويزرعُ، وهو لن يأكلَ مِن ثمرِ غرسِهِ، ولا أحدٌ غيرهُ سيأكلُ منُه؛ لأنَّ الساعةَ تدقُّ طبولَهَا، فالعملُ هنا يُؤدَّى لذاتِ العملِ؛ لأنَّه ضربٌ مِن العبادةِ، والقيامِ بحقِّ الخلافةِ للهِ في الأرضِ إلى آخرِ رمقٍ، يقولُ الإمامُ المناويُّ:«والحاصلُ أنَّه مبالغةٌ في الحثِّ على غرسِ الأشجارِ، وحفرِ الأنهارِ لتبقَى هذه الدارُ عامرةً إلى آخرِ أمدِهَا المحدودِ المعدودِ المعلومِ عندَ خالقِهَا، فكمَا غرسَ لكَ غيرُكَ فانتفعتَ بهِ فاغرسْ لِمَن يجيءُ بعدكَ لينتفعَ وإنْ لم يبقَ مِن الدنيا إلّا صبابة، وذلك بهذا القصدِ لا يُنافِي الزهدَ، والتقللَ مِن الدنيا»(فيض القدير) .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيه نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف